عبّاس.. مهندس الانقسامات العميقة ورجل إسرائيل الأول

يناير 14, 2025

من صفد إلى رام الله، مسيرة رجلٍ اختار أن يكون على هامش القضية، لا في قلبها، محمود عباس، أبو مازن، ذلك الاسم الذي ارتبط بصفحات أليمة من تاريخ الشعب الفلسطيني، حيث تحوّل من لاجئٍ يحمل الحلم إلى زعيمٍ يساوم عليه.

صلاح الدين بن علي-الخبر اليمني:

في أوائل التسعينيات، حين كانت الانتفاضة الأولى تزلزل كيان العدو وتقض مضاجعه، كان محمود عباس النافذ في سلطة فتح وصاحب القبول الأمريكي الإسرائيلي ينسج خيوط اتفاقٍ مريبٍ أطلق عليه “أوسلو”.

جلس عبّاس المرفوض عند تكتلات المقاومة لعدم كفاءته على طاولة التفاوض، حيث لم يكن أكثر من تاجرٍ يساوم على الوطن، أعطى العدو الإسرائيلي شرعيةً باردة، مقابل سلطةٍ مُفرغة لا تملك من السيادة إلا الاسم.

في رام الله، هناك حيث الحجر يتحدث لغة التاريخ والمقاومة، حيث الحلم الفلسطيني يُسحق تحت وطأة الاتفاقيات البالية، يتخندق اليوم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مِتراسِ الإسرائيلي ضد شعبه الفلسطيني المقاوم ليضيف صفحة أخرى إلى كتاب خيباته، رئيسٌ بلا شعب، زعيمٌ بلا قضية، وشخصيةٌ مهترئة تجرّ بخنوعها الوطن صوب الهاوية.

تحت شعار “التنسيق الأمني مقدس” أدار أبو مازن ظهره لآلاف الأسرى الذين يقضون أعمارهم معذبين في سجون الاحتلال أو ساقهم قرابين إليها، نسي الرئيس الطاعن في السنّ كما التطبيع أبناء شعبه الفلسطيني وهم يواجهون الإبادة كلّ يوم وذلك أمر ليس بعجيب لرجل باع شرف المقاومة والكفاح في أوسلو منذ أكثر من 30 عاماً واشترى بثمنه البخس كرامة وطنية مستباحة.

يخطب عباس عن الحق الفلسطيني على عتبات المنابر الدولية لكن صوته لا يتجاوز عتبة قاعة المؤتمرات، وعن السلام يتحدّث فيما غزّة تُباد والضفة المُعتدى عليها تغرق في الفساد والمحسوبية أما القيادة بالنسبة لعباس فليست أكثر من نادٍ مغلق لأصدقاء المصالح، حيث الوطن مجرد بطاقة تُلعب على طاولة المفاوضات.

في المشهد الفلسطيني المؤلم اليوم مقاومةٌ شريفةٌ تستميت في جهادها ضد عدو غاصب لا يتوقف عن سفك الدم الفلسطيني ورئيسٌ للسلطة اختار أن يسبح عكس التيار فوجد نفسه يغرق في وحل التاريخ.

منذ أن صعد محمود عباس، أبو مازن، إلى سدّة القيادة في الخامس عشر من يناير من عام 2005 بدا وكأن فلسطين تحوّلت إلى ساحة اختبار لنظرياته السياسية المهزوزة.

عباس الذي قدّم نفسه للعالم بوصفه مهندساً لاتفاق أوسلو أضحى اليوم رمزاً لنظامٍ عميل يغرق في الوعود الزائفة وتفّلت الإرادة الوطنية وتلك نتيجة متوقعة لمن بنى مسيرته السياسية والشخصية على جملة من التنازلات تحت طاولة التفاوض.

اتفاق أوسلو، ذلك السراب الذي وعد بدولة في الأفق القريب، لم يكن سوى فخّ محكم وضعه العدو الإسرائيلي وحلفاؤه، كان أبو مازن في قلب المشهد وقتئذ يوقّع الأوراق بابتسامة المنتصر، بينما في الكواليس كانت فلسطين تُقسّم إلى كانتونات معزولة، لم يحصل الفلسطينيون بعدها على دولة بل على حكم ذاتي منزوع الكرامة فمن قال إن الحقوق تنال بالتوسل لا النضال.

منذ ذلك الوقت، تحوّلت سلطة أوسلو بقيادة عبّاس النافذِ على سلّطة عرفات إلى جهاز إداري يخدم العدو الإسرائيلي أكثر مما يخدم شعبه، أجهزة أمنية تُنسّق مع العدو الإسرائيلي، وميزانيات تُنهب، وأرض تُباع قطعةً قطعةً على مرأى من الجميع.

في عهد عبّاس ومن بعد أوسلو، تضاعفت المستوطنات، والقدس باتت أكثر عزلة، أما الشعب الفلسطيني فقد وجد نفسه أمام سلطةٍ بلا سلطة تقف عاجزة خاضعة أمام العدو لكنها قوية في قمع شعبها.

ولعل من أبرز ما يُدين حقبة عباس هو ما يُسمّى بـ”التنسيق الأمني” مع العدو الإسرائيلي هذا التنسيق، الذي وصفه عباس بأنه “مقدّس” لم يكن سوى خيانة موثّقة للدماء الفلسطينية فعندما كان الشبان الفلسطينيون يواجهون العدو الإسرائيلي بالحجارة وما أمكن حمله كانت أجهزة الأمن التابعة للسلطة تقتلهم وتلاحقهم وتسوقهم قرابين إلى السجون الإسرائيلية وبذلك تحوّلت السلطة إلى وكيل أمني في خدمة العدو الإسرائيلي بدلاً من أن تكون تُرْسَاً في يد الشعب الفلسطيني.

منذ صعوده إلى السلطة وصولاً إلى الانقسام عام 2007 وما تلاه وما سبقه ظلّ عبّاس رجل إسرائيلي الأول لشق الصف الفلسطيني، فرض عقوباتٍ على غزة، أوقف رواتب الموظفين، وعامل القطاع وكأنه عدو لا جزء من الوطن.

طوال مسيرته السياسية لم يكن عبّاس عامل وحدة وطنية، بل كان مهندس الانقسامات العميقة، يغذيها كلما سنحت الفرصة كما هو حاصل اليوم.

The post عبّاس.. مهندس الانقسامات العميقة ورجل إسرائيل الأول first appeared on الخبر اليمني.

الذهاب إلى المصدر

قد يعجبك ايضا