شهيد الأمة.. في سيرة سيد الشهداء حسن نصر الله

فبراير 23, 2025

صلاح الدين بن علي

في سجل العظماء، تبرز أسماء خالدة لا تمحوها السنون، ولا تُطفئ نورَها حروب الشيطنة ومكائد الأعداء؛ لأنها وبكل بساطة ارتبطت بقدَر الأمة، بمعاركها الكبرى ضد الطغيان والاستكبار.

من سجلّ البطولة والعزّة هذا، يطلّ اسم شهيد الأمة، قائِدها، سماحةِ السيد حسن نصر الله، لا كقائدٍ مجاهدٍ أو زعيم سياسي، بل كرمزٍ للمقاومة ورأسِ حربةٍ غائرةٍ في وريد مشروع الهيمنة الصهيوني.

نصر الله، قائدٌ ومؤسسٌ جهادي كبير حمل همّ الأمة على كتفيه، خاض معاركها بشجاعة وثبات، حتى ارتقى شهيدًا فكان سيدَ شهداء الأمة، ناقشاً بجهاده سجلَّ الخالدين المذهب، سجلَّ الجهاد الرفيع.

في الحادي والثلاثين من أغسطس من عام ألفٍ وتسعمئةٍ وستين، أشرقت شمس رجلٍ لن يتكرر في تاريخ الأمة، سيدِ شهدائها، سماحةِ السيد حسن عبد الكريم نصر الله.

وُلِد نصر الله الثائر منذ المهد في “حي الكرنتينا” أحد أفقر أحياء بيروت، لكن فقر المكان لم يحجب عنه غنى الإرادة والعزم الذي ورثه عن عائلةٍ مؤمنةٍ صادقةٍ، نذرت حياتها للجهاد ونُصرة المستضعفين.

كان والده الحاج “عبد الكريم نصر الله” رمزًا للصمود والمقاومة، لا يعرف التراجع أمام المحتل، لا يعرف الانكسار، بينما كانت والدته الحاجة “نهدية صفي الدين” مدرسةً في العطاء والتربية الإيمانية، غرست تلك “الأمّ المدرسة” في قلب طفلها الثائر بذور التضحية وإباء الضيم، فكان نصر الله بِكر نضالها قبل أن يكون بكر ولادته بين إخوته.

منذ نعومة أظفاره، بدت على السيد نصر الله ملامح النبوغ، وكان شغفه بالعلم الديني شمسًا لا تخبو؛ في السادسة عشرة من عمره، حمل شهيد الأمة روحه الطاهرة وعقله المتقد إلى النجف الأشرف، هناك حيث تتلمذ على يد كبار العلماء وعلى رأسهم السيد “عباس الموسوي” الذي لم يكن مجرد معلم بل رفيق درب.

في الثامنة عشرة من عمره، عقد “عريس الجنة” نصر الله قرانه من الحاجة فاطمة ياسين، ليكون بيته ميدانًا آخر للجهاد، رزقه الله منها خمسة أبناء، كان بينهم هادي، الذي رسم بدمه الطاهر لوحة الفداء والشهادة في عام ألفٍ وتسعمئة وسبعةٍ وتسعين ليكون الشهيد الابن للشهيد القائد.

لم يكن السيد نصر الله قائدًا تقليديًا إذ خطّ لنفسه مسارًا مبكرًا في العمل الجهادي والتنظيمي؛ بَادِئ ذي بَدءٍ، عُيّن مسؤولًا تنظيميًا لـ “حركة أمل” في “البازورية” أثناء دراسته الثانوية، وعند عودته من النجف عام ألفٍ وتسعمئةٍ وتسعةٍ وسبعين، تولّى مسؤولية العمل السياسي في البقاع، كان شهيد الأمّة عضوًا فاعلًا في المكتب السياسي للحركة، عُرف عنه قربه من هموم المستضعفين، كان بين الناس.

عام ألفٍ وتسعمئةٍ واثنين وثمانين، ومع الاجتياح الإسرائيلي للبنان انسحب سيد الشهداء مع مجموعة من القيادات الجهادية من “حركة أمل” نتيجة خلافات حول مستوى وشكل المواجهة مع العدو الإسرائيلي لينضم بعدها إلى حزب الله ويكون أحد المؤسسين الأوائل لهذا الصرح المقاوم.

وفي عام ألفٍ وتسعمئةٍ واثنين وتسعين، إثر اغتيال السيد الشهيد عباس الموسوي، اختار مجلس شورى حزب الله شهيد الأمّة أمينًا عامًا للحزب رغم صغر سنه، ليبدأ عهدٌ جديدٌ من المقاومة الصلبة، عهدٌ خطّه السيد نصر الله بمداد الدم والعزة مستندًا إلى عقيدة “النصر الممكن”.

بتلك العقيدة الراسخة، وبعد أعوامٍ قليلة من توليه أمانة الحزب قاد نصر الله المقاومة الإسلامية ولبنان إلى تحقيق انتصارٍ ساحقٍ على كيان العدو الإسرائيلي، كان يوم الخامس من مايو من عام ألفين يوماً لانتصار الحقَ، يومها فرّ جيش الاحتلال بكلّ عتاد الدنيا مذعورًا صاغراً من الجنوب اللبناني.

وفي عام ألفين وأربعة، قاد السيد نصر الله بحنكته السياسية المعروفة وبندقيته الصارمة عملية تحرير الأسرى العرب من سجون التعذيب الإسرائيلية، حدث ذلك في صفقة تبادل تاريخية أثلجت القلوب وأعادت للأمة عزّتها، تلك الصفقة كانت درساً أخلاقياً رفيعاً، يومها لم تكتفِ المقاومة بتحرير أسراها، بل أعتقت رقاب مئات الأسرى من دول عربية عدة، وقتها أثبت شهيد الأمة بفِعَاله أن المقاومة الإسلامية مسيرةٌ إنسانيةٌ راسخةٌ لا تعترف بالحدود بل بإخوة الدم والعقيدة.

في حرب تموز كانت الملحمة الكبرى، في تلك الملحمة التاريخية التي انتهت بانتصار لبنان وقف السيد نصر الله شامخًا متحديًا أعتى جيوش العالم، خاضت المقاومة حرب تموز تحت قيادة نصر الله باقتدار تام فسقطت غطرسة العدو تحت أقدام المجاهدين وجاء الانتصار الخالد في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

طوال سنوات قيادته لحزب الله كان نصر الله القلب النابض لمحور المقاومة الممتد من لبنان إلى فلسطين، فسوريا، والعراق، واليمن، وإيران، رسخ جهاد نصر الله الراسخ في مسار الصراع مع قوى الاستكبار العالمية معادلةً ثابتةً لا تراجع عنها فكانت “وحدة الساحات”.

عندما انطلقت معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر من عام ألفين وثلاثةٍ وعشرين كان السيد نصر الله في طليعة الداعمين للمقاومة الفلسطينية، وتحت قيادته صعّد حزب الله من عملياته على جبهة الشمال، تلك العمليات المركزة ألحقت بالعدو الإسرائيلي خسائر فادحة وأجبرت مئات آلاف المستوطنين على الفرار كما خففت الضغط العسكري على المقاومة في غزّة.

طول أيام الطوفان، تقدم نصر الله الصفوف، ظلَّ في قلب المعركة، يضع الخطط ويشرف على التنفيذ حتى جاء يوم الشهادة الموعود في الثامن والعشرين من سبتمبر من عام ألفين وأربعة وعشرين، في ذلك اليوم، يومِ الاصطفاء الإلهي، ارتقى نصر الله شهيدًا على طريق القدس، ارتقى وهو يدافع عن أطفال غزة ويذود عن شرف الأمة.

عن هذا العالم الدنيوي ارتحلت روح نصر الله، لكن صوته لا يزال يهدر في الميادين حتى اليوم، وحضوره لا يزال يقضّ مضاجع الأعداء.

ترك نصر الله بعد ارتقائه إرثًا خالدًا، ومقاومةً لا تعرف الانحناء، وأمةً تندبه في كل صيحةٍ وتكبيرةٍ، وكلِّ زئير ورصاصة، وكل نداء إلى القدس، كيف لا وهو أيقونة الجهاد، ورمز المقاومة، وسيد شهداء الأمة.

The post شهيد الأمة.. في سيرة سيد الشهداء حسن نصر الله first appeared on الخبر اليمني.

الذهاب إلى المصدر

قد يعجبك ايضا